استغرق في تفكير عميق بعد أن عاد مكسور الخاطر من عمله، الذي استغنى عن خدماته نتيجة لحالة الركود، التي يمر بها المصنع، لم ينتشله من ذلك الشرود سوى ضحكات طفلته الصغيرة وهي تركض تجاهه فاتحة ذراعيها مهللة لحضوره، فحملها وقرر التجول حول البيت لعله يخرج مما فيه.
وأثناء تجوالهما تشبثت الطفلة بأبيها تطلب منه البطاطا المقلية على العشاء بغنج ودلال الأطفال وكأي أب حانٍ أراد تحقيق ما تتمناه صغيرته أخذ بيدها وانطلق لبائع الخضار.
وحين وصلا إليه رأى لوحة كتب عليها أمام البطاطا الكيلو بـ 5 قطع نقدية، لكنه لم يكن يمتلك سوى قطعتين ونصف وقرر شراء نصف كيلو لإرضاء صغيرته.
وحين طلب ذلك تفاجأ بالبائع يصرخ عالياً ماذا نصف كيلو؟ وهل تظن بي من الجنون أن أبيعك نصف الكيلو، وأخسر كيساً بلاستيكياً، لأزن لسيادتك نصف كيلو، إذا لم تكونوا على قدر الشراء فليس له من داعي.
احتقن وجه الأب من كلام البائع فشدت الطفلة ثوب أبيها قائلة هيا يا أبي لا أريد البطاطا المقلية لا أريد شيئا.
من ثم تفاجأت بالدماء تخرج من أنف أبيها بشدة وارتعاشات جسده تزداد إلى أن سقط فاقداً الوعي.
وحين اجتمعت عليه الناس لإسعافه كان قد فارق الحياة.
كم من كلمة أحبتي، ينطق بها اللسان ترمى بلا ميزان وتسبب الكوارث والأحزان فيرمي أحدهم الكلمة كالرصاصة تخترق نفس من أمامه فإن كان صبوراً احتسب.
وإن كانت نفسه تعاني تراكمات وضغوط الحياة فالعلم عند الله ما قد تسببه له من دمار.
امسك عليك لسانك يا رامي الكلمات القاسية، التي قد تكون في بعض الأحيان هي القشة التي تقسم ظهر من أمامك من متلقيها، فتحمل ذنبه وتندم حين لا ينفع الندم.
هذبوا ألسنتكم أحبتي، وها نحن الآن في أيام كريمة من شهر كريم، وما أجملها من فرصة لتهذيب النفس، وتطهير اللسان إلاّ من حمد وشكر ونشر الخير والصلاح.
For an optimal experience, please
