جار التحميل...

°C,

حرمة الدماء

يعد الإنسان أجلّ مخلوق على هذه الأرض، ينبغي أن يُفدى بكل نفيس، وأن يُضحى بكل عزيز من أجله، ليُحفظ دمه وماله وعِرضه، وأوصى النبي  أمته بذلك في حجة الوداع بمنى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله  خطب الناس يوم النحر فقال: يا أيها الناس، أيُّ يوم هذا؟، قالوا: يوم حرام، قال: فأي بلد هذا؟، قالوا: بلد حرام، قال: فأيُّ شهر هذا؟، قالوا: شهر حرام، قال: فإن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا". وقال أيضاً: "كل المسلم على المسلم حرامٌ، دمُه وماله وعِرضه".
وحقن ديننا الدماء، وصان الأنفس، وحرّم إزهاق الأرواح، وسدّ الذرائع المؤدية إلى سفك الدم الحرام، وإهدار النفس المعصومة، فقال عليه الصلاة والسلام: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يَدَعَه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه"، وقال أيضاً: "من حمل علينا السلاح فليس منا"، وقال: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". 

بل إن الإسلام جعل قتل المسلم من أكبر الكبائر وأفحش الذنوب وأشد الآثام وأعظم الجرائر وأشنع الموبقات ورأس المهلكات، فعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هُنّ؟ قال: الشرك بالله، والسحرُ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافلات"،  وعن أنس عن النبي أنه قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور -أو قال: "وشهادة الزور-". 

وجعل الإسلام قتل المسلم كفراً، فقال: "سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وقال أيضاً: "ولا يزال المؤمن في فُسْحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً"، فإن أصاب دماً حراماً فقد برئت منه ذمة الله، وحقّت عليه لعنة الله.   

ونذْكر حرمة الدماء في وقت لم يعد للإنسان فيه عند كثير من الناس حرمة، ولا لدمه عصمة، فصار الدم مستباحاً رخيصاً، والإجرام رائجاً متفشياً، والعدوان مهنة ووظيفة، والقتل ديدناً وعادة، فدم المسلم أمره جليل، وجرمه كبير، وخطره جسيم، ووقعه أليم، وعاقبته وخيمة، قال الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً). 

ونتبين أيضاً فداحة هذا الأمر، وضراوة هذا الحال، من قوله: "والذي نفسي بيده، لقتل المسلم أعظم عند الله من زوال الدنيا"، ووقف عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرة أمام البيت الحرام بمكة المعظمة، وقال: "أشهدُ أنك بيتُ الله، وأن الله عظّم حُرمتك، وأن حرمة المسلم أعظمُ من حُرمتك"، فدم المؤمن غال عند الله، عزيز في شرع الله، ثقيل في ميزان الله، قال: "لو أن أهل السماوات وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار".

فحري بكل ذي قلب أن يتعظ بهذه الزواجر، وجدير بكل صاحب نفس أن لا يقترف هذه الفواقر، وحقيق بكل ذي دين أن يجتنب هذه الكبائر، التي تُعمي وتُصمّ، وتُشقي وتُردي، وتلقي بصاحبها في نار جهنم، قال تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، وقال بمنى يوم النحر: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
 
January 21, 2021 / 10:00 AM

مواضيع ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.