جار التحميل...

°C,

القادم أجمل

December 30, 2020 / 12:42 PM
قبل انقضاء عام إيذاناً بميلاد عام آخر جديد نصادف في العادة عبارة تمتلىء بالكثير من التفاؤل والأمل وهي ( إن شاء الله يكون القادم أجمل )، ولكن في المقابل تكثر الكتابات والمقالات في الصحف والمجلات وعلى مواقع التواصل الإجتماعي الإلكترونية عن سنة مرت بكل ما فيها من أتراح ومآسٍ وانكسارات، وبكل ما حملته من أحداث وجرَّته من مشكلات وهموم
وربما نلمس في تلك الكتابات مسحات حزن دفين على أوضاع بائسة، أو تبدو لنا سحب غموم خيمت على أصحابها في السنة الماضية، أو نلمح بين ثنايا الأسطر آثار بكاء ودموع على أحباب رحلوا وأعزاء ذهبوا وتركوا في النفوس غصصاً لا تتلاشى وحسرات لا تنطفىء.

وتلوح في آفاق تلك الكتابات أطياف أمنيات بالرجاء والبشرى في أن العام المقبل فعلاً سيكون أجمل، وسيحمل معه الفرج ويعطي مفاتيحه لكل ذي ضائقة وكل بائس تعيس، فينطلق المكروب مفعماً بالأمل وهو منشرح الصدر مرتاح الفكر في فضاءات السعادة المرجوة متناسياً ليالي الشقاء الطويلة، ويفرح المحزون حين يفكر بالآتي الجميل فتنتشي نفسه، ولا يذوق إلا من أفياض الهناء ولا يشمُّ إلا نسمات السرور العليلة.

نعم من حق الإنسان أن يتمنى، ولكن عليه أن يعمل من أجل أن يحقق هو أمانيه، لا أن ينتظر حتى تتحقق من تلقاء نفسها، أو أن يحققها له الآخرون، وهذه هي النقطة المحورية الأهم أو مربط الفرس في الموضوع كله، فالمرء معنيًٌ بكل ما يحيط به من أمور ومجريات حياتية تؤثر فيه ويتأثر بها، ومن هنا فإن عليه أيضاً أن يكون مؤثراً فيها .. كيف ولماذا ؟

لم تعد حياة الواحد منا تخصه وحده، ولم يعد الإنسان معزولاً عما يحدث في العالم، سواء العالم القريب حوله أو ذلك البعيد الأوسع، وفي كل يوم بل في كل لحظة يجد نفسه شاء أم أبى متفاعلاً مع ما يستجد من مشكلات وأحداث وأخبار، بل وفي أحايين كثيرة يكون مشتركاً من دون أن ينتبه أو بغير إرادة منه في المواقف التي تتشكل والآراء التي تتبلور هنا وهناك، أليس نشرنا لتغريدة في تويتر - مثلاً - يعتبر موقفاً ؟ أليس إعجابنا أو تعليقنا على أي منشور في فيسبوك يعدُّ موقفاً نشترك به في تأكيد أو نفي فكرة أو رأي ما ؟! 


وهكذا بالنسبة لوسائل الإعلام والتواصل الأخرى، ما الذي يجعلنا قريبين وفاعلين في المشاهد الحياتية من سياسة واقتصاد واجتماع وعلم وثقافة وغيره سوى هذا الشعور الذي يتحرك في دواخلنا، ويدفعنا دائماً إلى التغيير نحو الأفضل، وتحقيق الأمنيات وبلوغ المآرب، وأن يكون الآتي أحسن من الماضي، والغد أجمل من اليوم ومن الأمس. 

 وثمة أمر هنا في غاية الأهمية يتمثل في أن علينا أن نكون إيجابيين في تعاملنا مع مختلف القضايا وتحت كل الظروف، لا يشغلنا إلا أحلامنا وأمانينا حتى نترجمها حقائق على الواقع، وهذا لا يتأتى إلا بالإيجابية فهي إحدى صفات الأقوياء من البشر، فرغم ما في الحياة من مصاعب ومتاعب ومحبطات كثيرة إلا أن الإيجابيين ذوو قدرة عجيبة على التعامل معها وتذليلها واجتيازها بثقة ومسئولية دون تذمر ولا شكوى، وهذه وحدها من علامات القوة.

وما أود توجيه النظر إليه في هذه الومضة القلمية القصيرة، هو ضرورة الخروج والتحرر من أسر أمانينا الخاصة، وإنْ كانت تعني لنا الكثير ويتوقف عليها مستقبل حياتنا الشخصية، والتوجه نحو العمل على تكوين أمنية واحدة أو أمانٍ عامة وكبيرة تكون فيها مصلحة الجميع والمصلحة العامة في المقام الأول، لأن استقرار الأوضاع العامة ينعكس إيجاباً على الأوضاع الفردية للأشخاص.

وهذا الأمر يشمل كل الأفراد في جميع دول العالم، وخاصة تلك التي تعيش ظروفاً سيئة ومتردية في مجالات الحياة كافة، فعندما يتحلى الجميع بالمسئولية ويعملون يداً واحدة - وبإيجابية - على تغيير الواقع المتدني في مستوياته تكون النتائج أسرع ويتحقق الارتقاء إلى الأعلى وتُقطف ثمار الجهود المخلصة تقدماً وازدهاراً ورخاء.

والأهم الصدق مع النفس والآخرين والجد والتفاني في بذل الجهود، والرغبة الحقيقية في التغيير نحو الأفضل ليكون القادم أجمل، حينها نستطيع القول بكل ثقة إن القادم أجمل ..وحتماً سيكون أجمل.

December 30, 2020 / 12:42 PM

مواضيع ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.