جار التحميل...

°C,
في تخصصات طب الأسنان المختلفة وتخصصات الطب عموماً يكون أصحاب العلاقة شخصين.. طبيب ومريض، عدا تخصصي الذي أحبه "طب أسنان الأطفال"، حيث يتميز بوجود طبيب وطفل مريض وطرف ثالث هو والد أو والدة الطفل المريض.
وكما كان الطرف الثالث محور للتندر أحياناً وللمتاعب أحيان أخرى في الروايات والأفلام السينمائية، فقد كان للطرف الثالث بالغ الأثر في حياتي المهنية، فأحياناً كان سبب في نجاحي ونجاح العلاج، وأوقات أخرى كان سبباً مباشراً للإخفاق دونما ذنب مني أو من المريض، لذا رأيت أن أعرض لقطات من حكاياتي أو معاناتي مع الطرف الثالث، ومن هنا يأتي عذري واعتذاري عن استخدام بعض الكلمات العامية أكتبها كما سمعتها خشية أن تفقد الكلمات وقعها إن كتبتها بالفصحى!!! 

آملاً أن يكون ذلك مرشداً للآباء والأمهات ومساهماً في إنجاح زيارة طفلهم لعيادة الأسنان. 

الأم الخائفة..

ما أن يدخل طفل لزيارتي لعلاج أسنانه حتى أشرع على الفور في بناء علاقة من الثقة والصداقة بيننا آملاً أن تكون بمثابة البداية لصحة أسنان وفم بدون ألم. وما أن أبدأ بخطوات العلاج وأقترب من الطفل ممسكاً بإبرة التخدير، التي أخفيتها بمهارة يحسدني عليها ساحر في سيرك، حتى ترتسم علامات الجزع والهلع على وجه الأم وتفعل تلك اللغة الغير منطوقة بين الأم وابنها فعلها فينتقل الرعب من الأم لابنها دون علمي وينهار فجأة ما بنيته من ثقة وصداقة مع المريض وتفشل الزيارة!.

لا ألوم الطرف الثالث ولكن يجب أن تعرف الأم أنها مصدر الأمان لطفلها وحين يرى الطفل تعبيرات الخوف ترتسم على وجه من يعتقد أنها مصدر الأمان له، فمن حقه أن يسحب الثقة فوراً مني. 

وهنا أنصح بشيء من التفاهم بين الأم والطبيب يترتب عليه أن يشعر الطفل بالطمأنينة لوجود الأم دون رؤيته لوجهها. 

الأم المدافعة..

هي أم خائفة مثل المذكورة أعلاه لكنها ما أن تراني أقترب بإبرة التخدير من طفلها حتى تبادر بالدفاع عنه على مرأى ومسمع من طفلها.. "حرام عليك يا دكتور كل دي إبرة"، وقد يتطور الأمر إلى الإمساك بيدي ودفعها بعيداً.. سيدتي الفاضلة من فضلك الانتظار بالخارج حتى أفرغ من علاج ابنك.. "عاوزني أطلع بره؟ ليه هو إحنا مش بندفع فلوس؟ قوم يابني نشوف دكتور تاني!". 

الأم الخاضعة لرغبات طفلها..

نحن هنا أمام طفل يعرف كيف يستخدم أمه كأداة لتحقيق رغباته وهو يراني كطرف ثالث يجب أن أخضع أنا أيضاً لرغبته في عدم إتمامي لمهمتي، الغير محببة له بالطبع، ومن حين لآخر تطلب منه الأم أن يفتح فمه لتعطيه حلوى ليتنازل ويفتح لي فمه.

سيدتي الفاضلة أنت بذلك تفسدين أسنان طفلك بالحلوى وتفسدي أخلاقه بالرشوة.. تكرمي علي بالانتظار بالخارج واتركي لي مهمة بناء جسور الثقة معه حتى يعلم طفلك أنه يجب عليه الامتثال لتعليماتي بدون أن يستغلك في المراوغة و الابتزاز. 

الأب المتسلط أو زوجة الأب..

بخلاف الأنماط السلوكية سابقة الذكر نحن هنا أمام نمط من العلاقة الفاترة أو الجافة. 

قد يكون انشغال الأب وصعوبة الحصول على موعد سبباً ضاغطاً على الأب والأم لإتمام العلاج كله في زيارة واحدة وتجاهل احتياجي أنا ومريضي الطفل للوقت ولأكثر من زيارة لإنشاء علاقة صداقة وثقة قبل البدء في خطوات علاجية قد تكون مؤلمة. 

فليس من المقبول أن يكون أول تعارف بيني وبين مريضي الطفل هو خلع ضرس مثلاً بما يقتضيه ذلك من حقنة مخدرة وخروج الدم من فمه في أول لقاء له معي.

وهنا يقع الأهل في المحظور في تعاملهم مع خوف ابنهم.. "أنا ابني راجل وبيستحمل" تقولها الأم وهي تقفز ممسكة بتلابيب ابنها النحيل الباكي الخائف فوق كرسي الأسنان بينما أدعو الله أن يتحمل الكرسي الباهظ الثمن وزنهما معاً.. وبمهارة شديدة تثبت رأسه وتكتف يديه وتناديني "ياللا يا دكتور بسرعة اخلع له ضرسين واحشي له 4 واعمل له اتنين علاج عصب". 

سيدتي الفاضلة لست من هواة مشاهدة رياضة المصارعة، فضلاً عن أن أشاركك ذلك المشهد العبثي. 

طب الأسنان عموماً وطب أسنان الأطفال خصوصاً هو فن دقيق تحتاج ممارسته تعاون وقبول ومشاركة من طفلك، ولا يكون ذلك إلا ببناء علاقة صداقة بيني وبينه، ومن ثم يختار هو أشد أسنانه إيلاماً حتى أبدأ به، ثم نضع أنا وهو سوياً جدول للعلاج، ونتفق على كيفية عنايته بأسنانه في المنزل والمدرسة، وكل ذلك يحتاج وقت وزيارات متعددة، بصرف النظر عن مدى زحام مواعيدي وانشغال الأب وعدم قدرته على إحضار ابنه. 

كانت تلك لمحات عن الطرف الثالث في مهنتي وبالطبع ليست كلها سلبية فأنا لا أنسى تلك الأم التي قبلتني بعد فروغي من علاج ابنتها.. "يا إلهي.. ماذا عن آداب المهنة، وكيف أصارح زوجتي! وماذا عن قسم أبو قراط؟" وقبل أن يشرد تفكيري أكثر فاجأتني قائلة: "إنت مش فاكرني يا دكتور؟ أنا كنت بعالج أسناني عندك لما كنت في عمر بنتي!".. "طبعاً فاكرك، أنساكِ إزاي"، منذ لحظات كدت أنسى سني المتقدمة. 

شكراً أيها الطرف الثالث... 
 
August 04, 2022 / 8:58 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.