جار التحميل...

°C,

التاريخ والإرشاد السياحي... تكامل وتحديات

من الصعوبة بمكان إنكار العلاقة الوثيقة بين التاريخ والإرشاد السياحي، فهناك رابط بينهما ما يزال قائماً منذ نشأة مهنة الإرشاد السياحي بمفهومها الحديث.
وبناء على هذه العلاقة فإن دراسة التاريخ والتعمق فيه من أساسيات دراسة الإرشاد السياحي، لذا فقد اهتمت كافة البرامج التدريبية والتعليمية بأن يكون التاريخ عنصراً رئيساً في مناهج الإرشاد السياحي في مختلف الجامعات والمعاهد.

بل وأصبح التاريخ معياراً فاصلاً في تقييم المرشد السياحي سواء للحصول على ترخيص مزاولة المهنة، أو لتجديد ذلك الترخيص كلما لزم الأمر وطبقاً للوائح المعمول بها في كل دولة.

وبناء على ذلك فإن تناول هذه القضية يجب أن يكون من منظور جديد ومتطور، ليواكب التغيرات التي نشأت على هذه المهنة العريقة، وكيف يساهم مجال التاريخ في تطويرها ومواكبتها لتتسق مع متغيرات العصر الحديث في هذا القطاع.

ومن الأهمية بمكان تناول التحديات التي تواجه المرشد السياحي في ظل تنوع أنماط السياحة وتعددها، بل ومع تغير طبيعة السائح التي تشكل احتياجاته ورغباته المتنوعة، لذا نفترض ضرورة أن تواكب مواد التاريخ هذه التغيرات وهذا التنوع الذي يعد سمة من سمات عصرنا الحديث.

وسوف يحدث ذلك من خلال تكامل تلك المواد التاريخية مع مواد السياحة والإرشاد السياحي، من خلال دراسة واقعية لمتطلبات السوق السياحي، ومن خلال منظور يركز على ما يحتاجه المرشد السياحي فعلياً في عمله، وكيفية تطويع مناهج التاريخ لهدف الإرشاد السياحي، وترغيب دارسي الإرشاد السياحي في دراسة ما يفيدهم في مجال عملهم، من خلال مفهوم جديد تبتكره الدراسة ألا وهو التكوين السياحي التاريخي.

وتبرز أهمية مساقات التراث والتي تهتم بدراسته بكافة أشكاله وأنواعه، مما يساهم في تحقيق الأثر التاريخي بمفهومه السياحي سواء على المرشد السياحي، ومن ثم على السائحين أنفسهم بهدف الوصول إلى الطرق والوسائل والأساليب التي تجذب كلاً من المرشد السياحي والسائح للاستمتاع بالتاريخ والتأكيد على أن هذه المنهجية في دراسة التاريخ لن تنتقص من الإرث التاريخي، ولكنها ستجعل للتاريخ رونقاً وعبقاً يدوم في ذهن السائح طويلاً وهذا هو معيار نجاح المرشد السياحي مما سيجعل من السائح عنصراً مهماً في الترويج لثقافتنا العريقة.

يشكل التراث والتاريخ أساساً قوياً في تشييد بنيان الهوية الوطنية وترسيخها في نفوس أبناء أي وطن أو أمة، خاصة في ظل رياح العولمة التي أصبحت مهددة للثقافات والخصوصيات حول العالم، كما أنهما يشكلان من جانب آخر رأس مال ضخم ومورد استثمار مهم لاقتصادات مختلف دول العالم، لا سيما في جوانب اقتصاديات السياحة، إذ نجحت كثير من الدول في تطوير البنية التحتية للسياحة فيها، لا سيما السياحة الثقافية التي تعنى بجانب التراث والموروث الحضاري بكل صوره وأشكاله، وأصبح إسهام السياحة في الدخل القومي لكثير من الدول في تنامٍ وإطراد، ويزخر الوطن العربي بالعديد من المقومات الحضارية والتاريخية، ومن بينها دول الخليج العربية، التي كانت شبه الجزيرة ومحيطها سواء في العراق أو الشام أو مصر من البقاع التي شهدت قيام أقدم الحضارات التي عرفها العالم.

ولعل من أهم عناصر نجاح قطاع السياحة في دولة، توفر إرشاد سياحي قائم على أسس علمية، ومن قبل مختصين يتم تأهيلهم بشكل عملي، ومن هنا سعت كثير من الجامعات إلى طرح برامج أكاديمية تمنح درجات علمية في تخصص الإرشاد السياحي، ولما كان تطوير هذه البرامج يحتاج إلى تقييم هذه الخطط والبرامج من خلال الواقع الميداني لتنفيذ مثل هذه البرامج، لذلك تواجه الجامعات التي تطرح برامج الإرشاد السياحي تحدي الموازنة بين المكون المعرفي في برنامج الإرشاد السياحي، من خلال تضمين الخطط الدراسية لطلبة برامج الإرشاد مقررات الإرشاد السياحي كمكون أساسي يقوم عليه التخصص، وبين المكون المعرفي التاريخي والأثري المهم كذلك، والذي يتطلب توفير المقررات العلمية والعملية في تخصص التاريخ، التي تتناسب مع المسار المهني وبيئة العمل للطالب، الذي سوف يتخرج للعمل كمرشد سياحي في البلد الذي ينتمي إليه، أو يقيم فيه أو في أي مكان آخر في العالم، وحيث إن مواد التاريخ بعد استثناء متطلبات الجامعة والكلية تشكل ما نسبته 50-60 % من وزن المحتوى العلمي للخطة الدراسية لطالب الإرشاد السياحي في العديد من هذه الجامعات، إلا أنه يغلب على بعض من هذه المقررات في عدد من الجامعات الطابع النظري الصرف، والتركيز على ذات المقررات التي يدرسها الطالب المتخصص في برنامج التاريخ، ولذلك يجب العناية بالمقررات ذات الطابع التاريخي، والوصول إلى خطة عملية تعالج الفجوة الموجودة بين مخرجات البرامج الأكاديمية، وواقع سوق العمل.
July 21, 2022 / 8:16 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.