جار التحميل...

°C,

الإسلام والوعي بالزمان

لقد شغلت قضية الزمان الفكر الإنساني، وتعددت إزاءها الرؤى، وتنوعت في بحثها الاتجاهات، وأضحى الارتباط الإنساني بقضية الزمان ارتباطًا محوريًّا.
والإسلام بعد أن شكَّل لدى أتباعه وعيًا ذاتيًّا ينصب على الوعي بكينونتهم ورسالتهم شكَّل لديهم وعيًا بإطارهم الزماني، انطلاقًا من العلاقة المحورية بين الإنسان والزمان، تلك العلاقة التي يمكن تلخيصها في كون الإحساس بالزمان إحدى خواص هذا الكائن الإنساني.   

إن الإسلام لم يأت ليعرِّفنا بوحدات الزمن من السنة والشهر واليوم والساعة وغيرها فحسب، بل إنه أراد أن يخلق فينا وعيًا بهذه الأجزاء، والوعي مرحلة أعلى من مجرد المعرفة، لذا سلك الإسلام في تشكيله للوعي الزمني مسالك عدة، من أبرزها ما يلي: 

أولًا: الربط بين كُلٍّ من طبيعة الزمن وطبيعة الحركة البشرية 

ويؤصل لهذا المسلك قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً)، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً)

إن هذا ليس مجرد تعريف بطبيعة الليل والنهار واختلافهما، بل يريد الإسلام تشكيل وعي بهذا الاختلاف، إنه الوعي الذي تنسبك فيه حركة الإنسان فلا تخرج عن مقتضيات الطبيعتين الزمنية والبشرية.

إنه الوعي الذي يصبح فيه لكل جزء من أجزاء الزمان خاصية تلازم حركة هذا الإنسان، أو سكون سعيه، أو حاجته للراحة، وهذا ما يجعلنا نوقن بأن هذا المفهوم للزمن إنما أتى ممن أحاط علمًا بالطبيعة الإنسانية. 

ثانيًا: ربطُ الإسلام بين التكاليف الشرعية والوحدات الزمنية

إن التكاليف في الإسلام ليست عبارة عن طقوس تُؤَدَّى بعقل مُغَيَّب وقلب لاهٍ، بل هي بوتقة تنصهر فيها كافة المقومات العقلية والروحية والجسدية للشخصية المسلمة، ويأتي الوعي الزماني ليكون مُقَوِّمًا من هذه المقومات.

وفي خطبة حجة الوداع، شرح صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم الخطوط العامة لرسالته، ووضَّح فيها الدستور العام للحقوق، وقد استثار عقلية أصحابه حينها بسؤالهم 3 أسئلة يتعلق اثنان منها بالزمن "(أي شهر هذا؟) (أي بلد هذا؟) (أي يوم هذا؟)، ثم قال: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا"). (أخرجه البخاري في صحيحه) 

إن الشرائع في الإسلام تربط المسلم بالزمن في كثير من تفصيلاتها، فكلٌّ من تشريع الصلاة والصوم والزكاة والحج مرتبطٌ بالزمن ارتباطًا واضحًا، وكثيرٌ من الشرائع الأخرى كالعدة والإيلاء والوكالة والكفالة والكفارات لا يُعدم فيها هذا الارتباط، مما يخلق إنسانًا واعيًا بالزمن يعرف مبدأه ومنتهاه، فتلك ساعة تجب فيها الصلاة، وذاك شهر يُفرض فيه الصوم، وذاك يوم يُؤذِن بتمام حول الزكاة وهكذا.

والناظر إلى المنهج النبوي يدرك أنه كان هناك حرصٌ على تشكيل هذا الوعي الزماني، فعن عبد الله بن بُسر، أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: «من طال عمره، وحسن عمله». (أخرجه الترمذي في سننه)
November 25, 2021 / 9:12 AM

مواضيع ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.