جار التحميل...

°C,

"وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"

ما أسرع مرور الأيام! وما أعجل انقضاء الشهور! بالأمس القريب كنا نعد الليالي والأيام لاستقبال شهر رمضان، وإذا به اليوم قد حل ضيفاً بيننا.. جاء هذا الضيف العزيز والنفوس إليه متلهفة، والقلوب له متشوقة، وفي الأرواح ظمأٌ حقيقي إلى الارتواء من معينه، وبها خُلةٌ لا يملأها إلا التعرض لنفحاته وبركاته.. إنه الحبيب الذي جاء على فاقةٍ.. ولكنه ضيف خفيف، سرعان ما تتَّابع أيامه حتى نفجأ بانصرامها، فيصبح كأمس الذاهب.
وهذا الشهر هو من المحطات الربانية السنوية النوعية، محطةٌ من شأنها أن تُحدث في المرء تغييراً جذريّاً إن أحسن استثمارها قدر جهده، وإن من خير ما يُستثمر في هذه المحطة الرمضانية: التزود من الزاد الحقيقي، العمل الصالح، وأسه التقوى الذي هو الغاية من فريضة صيام رمضان، فإذا حقق العبد تقوى الله تعالى، وذلك بأن يجعل بينه وبين عذاب الله وقايةً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، فقد كملت سعادته، وتحققت نجاته.

أيها الكرام، كيف لا نحرص على الاستثمار المتميز لهذا الشهر؟! وكيف نغفل عن الاستفادة القصوى من دقائقه وثوانيه، وقد هيأ لنا ربنا جل في علاه بمحض فضله، وعميم إحسانه أموراً تعيننا على حسن الإقبال عليه خلاله، فالأجور فيه مضاعفةٌ أضعافًا كثيرةً، وأبواب السماء مفتحةٌ تتنزل منها الرحمات تترى، والنفس منكسرة بمنعها عن بعض محابها، والشياطين مصفدة، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، ولله عتقاء من النار في كل ليلة.

أيها الأكارم، كلما دب إلى نفوسنا داء الفتور، وتسلل إلى قلوبنا مرض الملل، لنتذكر قول الحبيب : "من حُرم خيره فقد حُرم"، حقيقٌ على من لم يتزود من الصالحات في هذا الشهر -بعد كل هذه التهيئة الإلهية، والنفحات الربانية- أن يكون المغبون المحروم لا محالة.

فلنضع تلك العبارة العظيمة نصب أعيننا، ولنستحضرها دائمًا في عقولنا، حتى تكون كالوقود الذي يبقي هممنا متوقدة، وعزائمنا متوهجة إلى نهاية المضمار، ولنر الله تعالى من أنفسنا ما يحب، ولنسارع إلى الخيرات في هذا الشهر الفضيل، فإنما هو كما قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾.

أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.. وملأ قلوبنا محبةً له، وإقبالًا عليه، وحياءً منه..آمين
 
March 11, 2024 / 12:09 PM

مواضيع ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.